تقبل المعاناة كواجب ومسؤلية
![]() |
| تقبل المعاناة كواجب ومسؤلية |
كغرفة فارغة، يملؤ الغاز أرجائها فور دخوله، كذلك المعاناه ما إن تشعر بها حتي تنطلق زاحفة لتغزو أرجاء جسدك.
المعاناة أمر حتمي، بل تكاد تكون من ضروريات الحياة، فالإنسان الذي لا يشعر بالألم هو ببساطة إنسان ميت. فمادمنا أحياء سنعاني.. ومادمنا سنعاني في جميع الأحوال، فلنجعل لمعاناتنا معني.
خلال مسيرة حياتنا سنتعرض لكثير من المواقف المؤلمة والتي ستترك أثراً لا يُمحي في نفوسنا. نتجرع كؤوس الحزن ونتذوق مرارة الألم.
لست هنا لأقول بأن عليك التلذذ بالألم. فنحن البشر مندفعون لتجنب الألم بأي طريقة ممكنة. ولكن، ماذا عن تلك الآلام التي لا يمكن تجنبها ؟ هل ينبغي علينا أن نستسلم لها ؟
كشخص تعرضت للألم فمن المؤكد أنك تساءلت عن معني المعاناة التي أختبرتها ؟ هل لأي شئ معني علي أي حال ؟
الحقيقة أن الإنسان كائن محدود ذو معرفة محدودة. حين يفشل في إيجاد معني لمعاناته فذلك لا يعني أنها بلا معني.
ولكن بدلاً من الإهتمام بما هو متوقع من الحياة ، يجب علينا التركيز علي الذي تتوقعه الحياة منا، أن ننظر لأنفسنا دائما كأننا موضع تساؤل من قبل الحياة.
وهذا سيجعلنا مسئولون من حيث القرارات التي سنتخذها تجاه معاناتنا.
يقسم الدكتور فيكتور فرانكل القيم إلي 3 أقسام:
القيم الإبتكارية:
هي القيم التي نبتكرها بأنفسنا حسب أفكارنا ومعتقداتنا ثم نسقطها علي الأشياء التي حولنا . فالسماء تظهر لنا جميعاً زرقاء، ولكن القيمة التي تمثلها السماء بالنسبة لكل فرد منا هو شئ ذاتي.
القيم الخبرية:
هي القيم التي نأخذها من العالم حولنا، وهي تمثل التقاليد المجتمعية المتعارف عليها في المجتمع الذي ننتمي إليه.
القيم الإتجاهية:
وهي تمثل الموقف الذي نتخذه وهو ما يعنينا في هذه المقالة.
القيمة الإتجاهية هي الموقف الذي تتخذه تجاه معاناتك، ليس بان تختار تقبل معاناتك فحسب ولكن بالأحري تحويلها إلي شئ له معني تسعي لتحقيقه ليكون بمثاية إنجاز.
الحياة لا تتوقف أبداً علي أن يكون لها معني فحتي عند إختفاء القيم الإبتكارية والخبرية، يظل أمامك تحدي المعني الذي يجب عليك أن تقوم بتحقيقة.معني حياتك هو شئ خاص جداً لا يمكن لشخص ما أن يعطيك ذلك المعني، لأنه شئ يتم إكتشافه. ربما يتحقق ذلك المعني من خلاص شخص تحبه، من خلال العائلة والأصحاب، من خلال عمل فني تود إنجازه.
إنها طريقة مختلفة في التفكير، فنحن لا نأخذ كل الأشياء من حولنا بمعناها، فهناك أشياء تحتاج لمعني خاص بنا نسقطه عليها.
فالنمط الذي يتحقق من خلاله المعني يتوقف علي إتخاذ قرار تجاه حياتنا ومعاناتنا ولا يتوقف علي الظروف بعينها.
لا يمكن تجنب الكبد، ولكن يمكن تخفيف وطأته بالأفكار، كل ماهو حي يكابد ويعاني ولكن الإنسان وحده هو الذي يضفي علي الكبد والمعاناة معني ما. هذا هو الفرق. علي عزت بيغوفيتشالجدير بالذكر أن دكتور فيكتور فرانكل كان من معتقلي النازية. وتحدث في كتابه عن حجم الألم والمعاناه التي لاقاها هو وجميع المعتقلين في تلك الفترة. ولكنه كما قال في كتابه كان دائما يستحضر في ذهنه اقتباس لديستوفيسكي يقول فيه :" يوجد شئ واحد فقط يروعني هو ألا أكون جديراً بآلامي". بعد خروجه من المعتقل طور مفهوم العلاج النفسي بالمعني الذي يعتبر المدرسة الثالثة لعلم النفس بعد فوريد وآدلر وبهذا كان فرانكل جديراً بآلامه، بالطريقة التي تحمل بها معاناته لأنه نظر لها كمسئولية واقعة عليه وعليه تقبلها وتحويلها إلي شئ له معني، كما أدرك تلك الحرية الداخلية التي تجعل الإنسان يسمو فوق كل الظروف.

Comments: 0
Post a Comment